كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الرابعة:
اختلف العلماء في السحر هل هو حقيقة أو هو تخييل لا حقيقة له. والتحقيق أن منه ما هو حقيقة كما قدمنا، ومنه ما هو تخييل كما تقدم إيضاحه. وهو مفهوم من أقسام السحر المتقدمة في كلام الرازي وغيره.
المسألة الخامسة:
اختلف العلماء فيمن يعلم السحر ويستعمله فقال بعضهم: إنه يكفر بذلك، وهو قول جمهور العلماء منهم مالك وأبو حنيفة وأصحاب أحمد وغيرهم. وعن أحمد ما يقتضي عدم كفره. وعن الشافعي أنه إذا تعلم السحر قيل له صف لنا سحرك. فإن وصف ما يستوجب الكفر مثل سحر أهل بابل من التقرب للكواكب، وأنها تفعل ما يطلب منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر، وإلا فلا. وأقوال أهل العلم في ذلك كثيرة معروفة.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل. فإن كان السحر مما يعظم فيه غير الله كالكواكب والجن وغير ذلك مما يؤدي إلى الكفر فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة فإنه كفر بلا نزاع. كما دل عليه قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر} [البقرة: 102]، وقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ} [البقرة: 102]، وقوله تعالى: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} [طه: 69] كما تقدم إيضاحه. وإن كان السحر لا يقتضي الكفر كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها فهو حرام حرمة شديدة ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر. هذا هو التحقيق إن شاء الله تعالى في هذه المسألة التي اختلف فيها العلماء.
المسألة السادسة:
اعلم أن العلماء اختلفوا في الساحر هل يقتل بمجرد فعله للسحر واستعماله له أو لا؟ قال ابن كثير في تفسيره: قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله له؟ فقال مالك وأحمد: نعم. وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا. فأما إن قتل بسحره إنسانًا فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك. أو يقر بذلك في حق شخص معين. وإذا قتل فإنه يقتل حدًا عندهم إلا الشافعي فإنه قال: يقتل والحالة هذه قصاصًا.
وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا تقبل. وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: تقبل التوبة. وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم. وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يقتل. يعني لقصة لبيد بن الأعصم.
واختلفوا في المسلمة الساحرة. فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل، ولكن تحبس. وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل. وقال أبو بكر الخلال: أخبرنا أبو بكر المروزي قال: قرأ على أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل عمر بن هارون أخبرنا يونس عن الزهري قال: يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها. وقد نقل القرطبي عن مالك رحمه الله أنه قال في الذمي: يقتل إن قتل بسحره. وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر: إحداهما أنه يستتاب فإن أسلم وإلا قتل: والثانية أنه يقتل وإن أسلم.
وأما الساحر المسلم فإن تضمن سحره كفرًا كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم، لقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة: 102] لكن قال مالك: إذا ظهر عليه لم تقبل توبته. لأنه كالزنديق فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاء تائبًا قبلناه. فإن قتل سحره قتل. قال الشافعي فإن قال لم أتعمد القتل فهو مخطئ تجب عليه الدية انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.
وقال النووي في شرح مسلم: وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر وإلا فلا. وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر واستتيب منه ولا يقتل عندنا، فإن تاب قبلت توبته. وقال مالك: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب، ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله: والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق، لأن الساحر عنده كافر كما ذكرنا، وعندنا ليس بكافر، وعندنا تقبل توبة المنافق والزنديق. وقال القاضي عياض: ويقول مالك قال أحمد بن حنبل، وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين. قال أصحابنا: فإذا قتل الساحر بسحره إنسانًا واعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالبًا لزمه القصاص. وإن قال مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص، وتجب الدية في مالك لا على عاقتله. لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني. وقال أصحابنا: ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة، وإنما يتصور باعتراف الساحر، والله أعلم. انتهى كلام النووي.
وقال ابن حجر في فتح الباري في الكلام على قول البخاري رحمه الله: باب السحر وقول الله تعالى: {ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر} [البقرة: 102]: وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها، وهو التعبد للشياطين أو الكواكب. وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر من تعلمه أصلًا.
قال النووي: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النَّبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرًا. ومنه ما لا يكون كفرًا، بل معصية كبيرة. فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا. وأما تعلمه وتعليمه فحرام إلى آخر كلام النووي الذي ذكرناه عنه آنفًا. ثم إن ابن حجة لما نقله عنه قال: وفي المسألة اختلاف كبير وتفاصيل ليس هذا موضع بسطها اهـ.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق في هذه المسألة إن شاء الله تعالى أن السحر نوعان كما تقدم؟ منه ما هو كفر، ومنه ما لا يبلغ بصاحبه الكفر، فإن كان الساحر استعمل السحر الذي هو كفر فلا شك في أنه يقتل كفرًا؟ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه». وأظهر القولين عندي في استتابته أنه يستتاب، فإن تاب قبلت توبته. وقد بينت في كتابي دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة آل عمران أن أظهر القولين دليلًا أن الزنديق تقبل توتبه؟ لأن الله لم يأمر نبيه ولا أمته صلى الله عليه وسلم بالتنقيب عن قلوب الناس؟ بل بالاكتفاء بالظاهر. وما يخفونه في سرائرهم أمره إلى الله تعالى. خلافًا للإمام مالك رحمه الله وأصحابه القائلين بأن الساحر له حكم الزنديق. لأنه مستسرّ بالكفر والزنديق لا تقبل توبته عنده إلا إذا جاء تائبًا قبل الاطلاع عليه. وأظهر القولين عندي: أن المرأة الساحرة حكمها حكم الرجل الساحر وأنها إ، كفرت بسحرها قتلت كما يقتل الرجل. لأن لفظة «من» في قوله: «من بدل دينه فاقتلوه» تشمل الأنثى على أظهر القولين وأصحهما إن شاء الله تعالى. ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى} [النساء: 124] الآية. فأدخل الأنثى في لفظة {من}، وقوله تعالى: {يانساء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ} [الأحزاب: 30] الآية، وقوله: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ} [الأحزاب: 31] الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وإلى هذه المسألة التي هي شمول لفظه من في الكتاب والسنة للأنثى أشار في مراقي السعود بقوله:
وما شمول من للأنثى جنف ** وفي شبيه المسلمين اختلفوا

وأما إن كان الساحر عمل السحر الذي لا يبلغ بصاحبه الكفر، فهذا هو محل الخلاف بين العلماء. فالذين قالوا يقتل ولو لم يكفر بسحره قال أكثرهم: يقتل حدًا ولو قتل إنسانًا بسحره، وانفرد الشافعي في هذه الصورة بأنه يقتل قصاصًا لا حدًا.
وهذه حجج الفريقين ومناقشتها:
أما الذين قالوا مطلقًا إذا عمل بسحره ولو لم يقتل به أحدًا فاستدلّوا بآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، وبحديث جاء بذلك إلا أنه لم يصح.
فمن الآثار الدالة على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد في باب الجزية: حدثنا علي بن عبدالله حدثنا سفيان قال: سمعت عمرًا قال: كنت جالسًا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس فحدثهما بجالة سنة سبعين عام حج مصعب بن الزبير بأهل البصرة عند جرج زمزم قال: كنت كاتبًا لجزء بن معاوية عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس قال: فقتلنا في يوم واحد ثلاث سواحر وفرقنا بين المحارم منهم. ورواه أيضًا أحمد وأبو داود. واعلم أن لفظة «اقتلوا كل ساحر».. إلخ. في هذا الأثر ساقطة في بعض روايات البخاري، ثابتة في بعضها، وهي ثابتة في رواية مسدد وأبي يعلى. قاله في الفتح. ومن الآثار الدالة على ذلك أيضًا ما رواه مالك في الموطأ عن محمد بن عبدالرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت. قال مالك: الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ} [البقرة: 102] فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه انتهى من الموطأ. ونحوه أخرجه عبد الرزاق. ومن الآثار الدالة على ذلك ما رواه البخاري في تاريخه الكبير: حدثنا إسحاق. حدثنا خالد الواسطي، عن خالد الحذاء عن أبي عثمان: كان عند الوليد رجل يعلب فذبح إنسانًا وأبان رأسه، فجاء جندب الأزدي فقتله. حدثني عمرو بن محمد، حدثنا هشيم عن خالد عن أبي عثمان عن جندب البجلي: أنه قتله. حدثنا موسى قال حدثنا عبد الواحد عن عاصم عن أبي عثمان: قتله جندب بن كعب. وفي فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله تعالى بعد أن أشار لكلام البخاري في التاريخ الذي ذكرنا، ورواه البيهقي في الدلائل مطولًا، وفيه: فأمر به الوليد فسجن. فذكر القصة بتمامها ولها طرق كثيرة انتهى منه.
فهذه آثار عن ثلاثة من الصحابة في قتل الساحر: وهم عمر وابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنهم جميعًا، وجندب ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم. ويعتضد ذلك بما رواه الترمذي والدارقطني عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حد السارح ضربه بالسيف» وضعف الترمذي إسناد هذا الحديث وقال: الصحيح عن جندب موقوف، وتضعيفه بأن في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو يضعف في الحديث. وقال في فتح المجيد أيضًا في الكلام على حديث جندب المذكور: روى ابن السكن من حديث بريدة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «يضرب ضربة واحدة فيكون أمة وحده». اهـ منه.
وقال ابن كثير في تفسيره بعد أن ذكر تضعيفه بإسماعيل المذكور: قلت قد رواه الطبراني من وجه آخر عن الحسن عن جندب مرفوعًا. اهـ. وهذا يقويه كما ترى.
فهذه الآثار التي لم يعلم أن أحدًا من الصحابة أنكرها على من عمل بها مع اعتضادها بالحديث المرفوع المذكور هي حجة من قال بقتله مطلقًا. والآثار المذكورة والحديث فيهما الدلالة على أنه يقتل ولو لم يبلغ به سحره الكفر. لأن الساحر الذي قتله جندب رضي الله عنه كان سحره من نحو الشعوذة والأخذ بالعيون، حتى إنه يخيل إليهم أنه أبان رأس الرجل، والواقع بخلاف ذلك. وقول عمر «اقتلوا كل ساحر» يدل على ذلك لصيغة العموم. وممن قال بمقتضى هذه الآثار وهذا الحديث: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد في أصح الروايتين، وعمر، وعثمان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبدالله، وجندب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبدالعزيز. وغيرهم، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني خلافًا للشافعي، وابن المنذر ومن وافقهما.
واحتج من قال: بأنه إن كان سحره لم يبلغ به الكفر لا يقتل بحديث ابن مسعود المتفق عليه «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث...» الحديث، وقد قدمناه مرارًا. وليس السحر الذي لم يكفر صاحبه من الثلاث المذكورة. قال القرطبي منتصرًا لهذا القول: وهذا صحيح، ودماء المسلمين محظورة لا تستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف، والله أعلم.
واحتجوا أيضًا بأن عائشة رضي الله عنها باعت مدبرة لها سحرتها، ولو وجب قتلها لما حل بيعها. قاله ابن المنذر وغيره. وما حاوله بعضهم من الجمع بين الأدلة المذكورة بحمل السحر على الذي يقتضي الكفر في قول من قال بالقتل، وحمله على الذي لا يقتضي الكفر في قول من قال بعدم القتل لا يصح. لأن الآثار الواردة في قتله جاءت بقتل الساحر الذي سحره من نوع الشعوذة كساحر جندب الذي قتله، وليس ذلك مما يقتضي الكفر المخرج من ملة الإسلام، كما تقدم إيضاحه. فالجمع غير ممكن. وعليه فيجب الترجيح، فبعضهم يرجح عدم القتل بأن دماء المسلمين حرام إلا بيقين. وبعضهم يرجح القتل بأن أدلته خاصة ولا يتعارض عام وخاص. لأن الخاص يقضي على العام عند أكثر أهل الأصول كما هو مقرر في محله.
قال مقيده عفا الله عنه: والأظهر عندي أن الساحر الذي لم يبلغ به سحره الكفر ولم يقتل به إنسانًا أنه لا يقتل. لدلالة النصوص القطعية، والإجماع على عصمة دماء المسلمين عامة إلا بدليل واضح. وقتل الساحر الذي لم يكفر بسحره لم يثبت فيه شيء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، والتجرؤ على دم مسلم من غير دليل صحيح من كتاب أو سنة مرفوعة غير ظاهر عندي.
والعلم عند الله تعالى، مع أن القول بقتله مطلقًا قوي جدًا لفعل الصحابة له من غير نكير.
المسألة السابعة:
اعلم أن الناس اختلفوا في تعلم السحر من غير عمل به. هل يجوز أو لا؟ والتحقيق وهون الذي عليه الجمهور: هو أنه لا يجوز، ومن أصرح الأدلة في ذلك تصريحه تعالى بأنه يضر ولا ينفع في قوله: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} [البقرة: 102] وإذا أثبت الله أن السحر ضار ونفى أنه نافع فكيف يجوز تعلم ما هو ضرر محض لا نفع فيه!؟
وجزم الفخر الرازي في تفسيره في سورة البقرة بأنه جائز بل واجب قال ما نصه: المسألة الخامسة في أن العلم بالسحر غير قبيح ولا محظور، اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف، وأيضًا لعموم قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة، والعلم بكون المعجز معجزًا واجب، وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب، فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبًا، وما يكون واجباص كيف يكون حرامًا وقبيحًا. انتهى منه بلفظه. ولا يخفى سقوط هذا الكلام وعدم صحته. وقد تعقبه ابن كثير رحمه الله في تفسيره بعد أن نقله عنه بلفظه الذي ذكرنا بما نصه: وهذا الكلام فيه نظر من وجوه: أحدها قوله: «العلم بالسحر ليس بقبيح» إن عنى به ليس بقبيح عقلًا فمخالفوه من المعتزلة يمعنون هذا، وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعًا ففي هذه الآية الكريمة يعني قوله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} [البقرة: 102] تبشيع لعلم السحر. وفي السنن «من أتى عرافًا أو كاهنًا فقد كفر بما أنزل على محمد»، وفي السنن «من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر» وقوله: «ولا محظور، اتفق المحققون على ذلك» كيف لا يكون محظورًا مع ما ذكرناه من الآية والحديث، واتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص على هذه المسألة أئمة العلماء أو أكثرهم. وأين نصوصهم على ذلك!!
ثم إدخاله علم السحر في عموم قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] فيه نظر. لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين العلم الشرعي، ولم قلت إن هذا منه!! ثم ترقيه إلى وجوب تعلمه بأنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به ضعيف بل فاسد. لأن أعظم معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.